الأربعاء، ١٢ سبتمبر ٢٠٠٧

شاعرية رمضان تعيد ني إلى خط الحنين


على بابك أنا وطفولتي .. فأفتح لي أبواب روحي



ثمة علاقة لاتحتمل القسمة على العمر الذي يدوس بقوة في منطقة الأربعين تلك التي ترتع في الأماني الصغيرة التي لاتكبر وتظل تعاند تجاعيد السنين بطفولة تقفزاينما أعلن رمضان على شخصي الحنين .. ليس في مقدوري تفسيرا ممكنا لطفولة تقف على باب رمضان تتلمس فيه بعدا شفيفا وجارفا موازيا للبعد الديني الطبيعي..ذلك الشئ الذي لايقبض على تفسيره يسري في دواخلنا يعيد لنا بناء اللحظات البكر من انسانيتنا ..من الملوك والرؤساء على مقاعدهم الوثيرة إلى عامل بسيط يكدح تحت شمس حارقة .. من مايسمى مجازا مرسلا بالسادة النخب إلى مايسمى أيضا في حدود هذا المجاز المرسل برجل الشارع .. من أصحاب ربطات العنق الشيك إلى انسان بسيط الحال .. من عقول تدعي توكيل الفهم العام داخل كردون العالم الاول الى البشر محدودي الفهم من أمثالنا المنتمون بإخلاص الى كردون العالم الثالث .. من كل هذه الخارطة شديدة التنوع امام تبيناتها المصنوعة بفعل فاعل يجئ هو بكل إجلال ليثبت المشهد ويضغط على زر الكاميرا ليلتقط المشهد الانساني الواحد فيما يمكن تسميته بتوحد الروح عند الخط البكر من فضائلها .. وحده رمضان يدغدغ صغائرنا الخاطئة يمنحنا حق اللجوء الى ارواحنا دونما واسطة ..فعلى صوت أثر للشيخ سيد النقشبندي .. كانت تواشيحه الشجية ترسم ملامح الشهر الفضيل في رومانسية البعاد التي تغلف قريتنا .. كنا نلملم أطراف طفولتنا الغضة ونطوق المسجد الصغير الوحيد المصنوع من الطوب اللبن من كل ناحية حين يقف الحاج عبدالله مشدوها عند القبة يؤذن للمغرب فنأخذ من أطرف صوته مايسمح لنا أن نطير دفعة واحدة كما سرب حمام أبيض ينتشر في شوارع القرية وحواريها خلف صوت واحد يقول : أفطر ياصايم عالكحك العايم .. وكانت هذه ببساطة متناهية هي الوسيلة الوحيدة لابلاغ الصائمين في قريتنا بالافطار عندما كانت ستينات القرن الماضي بمثابة عزلة حضارية لقرية المنشية التي تنتمي باتقان الى عوالم الصعيد الجواني قبل ان تدخل بسلام حزام عصر الانترنت .. أما صوت عمي علي خلاف فقد كان ملازما للسحور .. الذي كان يسمح أيضا بحيز ممكن من شقاوة الطفولة حين كنا نتربص بالرجل خلف الليالي التي لم يكن قد حالفها حظ الكهرباء في ذلك الوقت حتى أن الرجل قد فر هاربا ذات مرة في أحد الحواري الضيقة تاركا خلفه الطبلة الكبيرة حينما أيقن أن هذا الكم الكبير من الايادي الصغيرة التي حاصرته بغتة تعبث في جسده وحاجياته لايمكن ان تكون لاطفال عاديين بقدر ماهي للعفاريت في زمن كانت تنشط فيه ذاكرة الهوس بهذه الأخيرة .. رمضان الطفولة أثر وحميم .. تتجدد طفولته في كل عصر.. لانه خالد بعبق لايغيب يعيدني الى طفولتي أو يعيد طفولتي لي .. في رمضان نبدأ في غسيل الروح من مخلفات سقوطنا .. يتعصب البعض ويحيل عصبيته الى رمضان ينام البعض طوال اليوم ويحيل ذلك الى رمضان يضيق خلق البعض ويحيل ذلك الى رمضان يتزمر البعض ويحيل ذلك الى رمضان .. أليس هذا مضحكا بل وغريبا .. رمضان الذي يجئ ليعيد لنا بناء انسانيتنا في أبهى صورها هو فرصة لتقديم أفضل مالدينا في كل شئ وعلى الاقل فمن الطبيعي ان نكمل مسيرة من
كانوا يدعون الله أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه أن يتقبله منهم , من كانوا يصومون أيامه ويحفظون صيامهم عما يبطله أو ينقصه من اللغو واللهو واللعب والغيبة والنميمة والكذب , من كانوا يحيون لياليه بالقيام وتلاوة القرآن يتعاهدون فيه الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان وإطعام الطعام وتفطير الصوام
فليس رمضان موسم أو أكازيون للخمول والنوم والكسل كما يظنه بعض الناس ولكنه شهر جهاد وعبادة وعمل يليق به أن نستقبله نستقبله بالفرح والسرور والحفاوة والكرم ,


رمضان هو شهر انتصار الإنسان, بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى, انتصار على الشيطان, انتصار على الشهوات, انتصار على السيئات, انتصار نفخة الروح على طينة الأرض رمضان فرصة لتغيير شخصياتنا إلى الأفضل, لتحويلها إلى شخصية أكثر انسانية , وأكثر تلاحما وترابطا مع ألاخرين .. أنه مشروع عام لطيب النفس, لا للخمول والتكاسل وضيق الصدر والتضجر من كل شيء..! يجئ رمضان محتفيا بشاعرية الانسان عند خطها البكر فأتحوا له أبواب أرواحكم ببساطة لايصادرها سلطة أو جاه أو غرور ..أسمحوا للذات النابضة بالحب أن تقف تحت دش رمضان لغسيل الوجدان . فأنا عن ذات نفسي أقول له في عادة لاتغيب : أنا وطفولتي على بابك فأتح لي أبواب روحي .. فأنا وأنت على خط الحنين