الأحد، ٣٠ مارس ٢٠٠٨


رؤى / ضبط وإحضار

أحمد المنشاوي *
الفيلسوف، المعلم، الذي هبط بالفلسفة الى الأرض، الكاريزما التي لم تنته، لم يترك وراءه كتابا واحدا، سقراط لم يفعل، لكن شابا لم يتجاوز الثلاثين فعل، انجز أربعة كتب فشلت حتى الآن في الاحتفاظ بعنوان واحد منها- ليس عيبا في المؤلف بقدرعادة ذاكرة الحفظ التي تربت على أن الحفظ لايجوز شرعا الا لأسماء الحكام وجدول الضرب، وبعد خبرة محترمة في منطقة كونك محرر ثقافة سابق (قد تلاحظون: أولا التواضع في كلمة سابق- ثانيا كلمة خبرة مع ثقافة تبدو كأنها اتجاه جبري ناحية كهرباء وبنشرالسعادة)، وهي خبرة تضاف الى خبرة التلصص وخبرة التفنيس في كل شيء وخبرات أخرى يطول شرحها من تلك التي ينعم بها من شاء القدر أن يكونوا في موقع المهمين على الأرض، وحيث انني لا أؤمن بالفكرة القديمة بوحدة الموضوع الذي يجر المقال الى أي ناحية، فقد توقفت عند أحد الاصدقاء الذي أهداني مشكورا كتابه، الذي عانى بدوره من الاحتفاظ بي كولد مهذب بأكثر من سطري الاهداء وهوما دفعني مباشرة الى الصفحة الأخيرة التي واجهتني بصدمة حضارية مفادها أنه قد صدر للصديق 12 كتابا بالتمام والكمال (وهو من لايزال يلعب مثلي في وجع الأربعينات)، وهي كتب تنوعت في اتجاهات لا تتقاطع حتى لوصادفت دوار الأمم المتحدة حيث تبدأ بفن الايتيكيت وتنتهي بالرواية وتمر بالرياضة والفن، ولم أجد ما اختصر به موقفي من كتب الرجل سوى ما أكده أحد الزملاء على أنه في مثل هذه الحالة التأليفية المزمنة للصديق، فان البني آدم لن تتوافر لديه الفرصة كي يمارس حقه الشرعي (في العطس)... كتب محمد روميش مجموعة قصصية واحدة ورحل وكانت أجمل ما قرأت، وصدر لغيره عشرة كتب كانت من أجمل ما تم تقديره في سوق الورق الخام، لاغبار على ماكينة ضخ الكتب سوى ورطة الزميل محرر الثقافة حين تهطل عليه الكتب في انتظار تقديم قراءة لها على طريقة تقرير موظف الحكومة، دونما أي اعتبار من أصحابها لفكرة الحالة التي يجب أن تنشأ بين الزميل والكتاب بغض النظر عن فزاعة الكاتب الكبير والكاتب الصغير على اعتبار أننا نعرف فقط الكاتب الجميل، وهو الأمر الذي اضطر معه أحد الأصدقاء من أبناء الكار وبعد ملاحقات ماراثونية من شاعرة (حدث ذلك في القاهرة حتى لا يتعب أحد في البحث )، أن يسهب في مقاله الأسبوعي عما تتحلى به الشاعرة من قدرات وصور وكسر للأطر، وبذلك ظل الرجل عند ضميره الابداعي وفي الوقت نفسه كان صادقا بالفعل (قدرات وصور وأطر)، وبخاصة بعدما أثبتت السيدة أنه من حقها أن تشعر كيفما تشاء طالما أنها لا تشعر بالشعر دون ان تفطن بالطبع الى شكر الزميل الذي احتفظ لها بصفة الجميلة... والا فمن أين تأتي الصور والقدرات والأطر؟... أجمل الكتب هي التي ينجزها أصحابها للمتعة الشخصية وفق لعبة فنية يغامرون بها ثم يتركون ما يغازل منها ذائقة التلقي دونما سقف... وأسوأ الكتب هي التي يكتبها أصحابها وفي سطر تشم سطوة الملازم أول الناقد وفي سطر آخر تتعثر في رجل مباحث ماسك في ايده قارئ، على اعتبار أنه ظل الطقس مناسبا واستطعت أن تتجاوز الصفحة المخصصة لعصابة البنيوية والتفكيكية وما بعد الحداثة، أكره كلمة الناقد أخاف من أستاذيتها ثقيلة الدم وأحب لعب العيال لأن أجمل ما قرأت في حياتي كان لناس يكتبون وهم متلبسون باللعب، وهو تلبس من النوع الذي تفشل محاكم التقعير أن تواجهه بالضبط والاحضار!
* شاعر وصحافي مصري ( جريدة الراي الاحد 30/ مارس )
المصارعة / هي شخصين قررا أن يضربا الإنسانية ويسحقوها أرضا مقابل أجر مدفوع / المشاهدين هم بشر يشاركون بدون وعي في ارتكاب الجريمة نفسها / على إعتبار انه لايوجد إنسان طبيعي يقبل أن تكون متعته الفرجة على طرح إنسانية الإنسان لمس أكتاف