الأربعاء، ٢٨ أبريل ٢٠١٠

مقال الشاعر مدحت علام عن كتاب روح شاغرة جريدة الراي 28 أبريل



ديوانه صدر عن «الدار للنشر والتوزيع»/
قراءة / أحمد المنشاوي يبحث عن «روح شاغرة تكفي لفراشة»



كتب مدحت علام

الشاعر الزميل احمد المنشاوي يحمل في لغته الشعرية روحا تبدو فيها الرؤية اكثر توهجا وحضورا، كما ان إحساسه دائما ما ينصرف إلى اتون تجارب ذات كثافة انسانية تشمل كل الموجودات التي تحيط بنا سواء كانت كائنة- نراها بأعيننا، ونلمسها بأيدينا، ونحس بها مشاعرنا- أو مختفية تحت استار الخيال، الا انها تؤثر فينا، وتجعلنا في حوار متواصل معها.
وانه من خلال متابعتي الحثيثة لما يكتبه المنشاوي- التي سمحت لي الظروف بالاطلاع عليه- وجدت ان هناك خصوصية يتعين علينا الحديث عنها، ولو عن طريق التلخيص، هذه الخصوصية تتمثل في التكثيف الذي تتميز به فقرات قصائده، والحيوية المتقنة، التي تدفع المتلقي للدخول بقوة إلى عوالم شاعرنا، دخولا ضمنيا، والتواصل المثمر الذي انشأه المنشاوي بين المفردات في جسد قصائده، وبين المعاني المستوحاة في الاساس من روح الانسان ومن الطبيعة التي تحيط بنا من كل صوب.
وفي سياق هذه الخصوصية... اصدر الشاعر الزميل احمد المنشاوي ديوانه الشعري الجديد، عن دار «الدار للنشر والتوزيع في مصر»، في طباعة انيقة وبلوحة غلاف معبرة، وحمل الديوان عنوانا محيرا، ودافعا للتفكير هو «روح شاغرة تكفي لفراشة».
ومن خلال «التكنيك» الذي اودعه الشاعر في متن عنوان نستطيع ان نتحاور بشكل حسي مع الكثير من الرؤى المستوحاة من مفردات هذا الديوان، فالروح شاغرة، ومع ذلك فهي تكفي فراشة فقط، ومن ثم فإن مدلول العنوان يشير إلى الكثير من المعاني التي لا نستطيع الكشف عنها، الا من خلال الولوج في عمق هذا الديوان، الذي كان الاهداء فيه منصرفا بقوة إلى الزمن الجميل: «إلى زمني المكتوب على صوت حليم».
ونقرأ استهلال الديوان بقصيدة عنوانها «احتمالات المطر»:
غيمة روح
في قمة أناقتها
تنتظر
ان تفشي سرها
يفاجئها الحنين
تنهار بين يدي فراشة
تفرش ضفيرتها
تصفي
حزنها
قطرة... قطرة
وفي هذا السياق الحسي يطرح المنشاوي في قصائده رؤيته الخاصة، تلك التي تبدو مهيأة للكشف عن مأزق الانسان حيال واقعه الذي يتبدى فيه الألم كحيز يضيق تارة ويتسع تارة اخرى ليشمل الحياة بأثرها: «على صفحة الفجر/ ترسم همسها/ تلون اوجاعا سابقة»، هكذا يتحدث المنشاوي عن «بنت تضحك للبحر»، ثم يأتي التضاد من خلال «الضحك والحزن» وانه تضاد يشير إلى الحياة التي تتناقض في اعيننا، ولا يمكن بأي حال من الاحوال ان نقبض على صورة متشابهة في اجزائها، وعلى هذا الاساس يقول في قصيدة «كل المتاهات تؤدي إلى جرحي»:
من الغريب ان ألفه البرد
في الشوارع الحزينة
يخاف ان كتب على سطر
وترك للعشاق سطر
فاجأته بين السطور الهزائم.
والكلمات عند الشاعر متعبة، لا يستطيع ان يباري وجها، الذي يطفح الما في قصائد، هذه الكلمات هي السبيل إلى استشراف ملامح جديدة يستطيع الشاعر من خلالها تأسيس حلمه الخاص الذي يتطلع اليه بكل شفافية وحلم:
ليل متيمة بزرقة الوجد
تطل من حكايات مزركشة
تتمسح جدار الوقت
مضبوطة على احتمالات الهزال
مطلية بتراتيل شتوية
تفك ضفيرة غيابها
على كتف امرأة
وتدفقت رؤى الشاعر من خلال قصائدة الفصحى إلى جانب قصائد كتبها باللغة «المحكية» المصرية، ومن ثم فقد كانت المشاعر ذات ايقاعات متسارعة، لا يمكن ان نفهمها الا من خلال قراء متأنية هادئة:
ما الذي يبقى...
سوى بلاد دستورها القمر
ولغتها الرسمية رسائل الغرام
ما الذي يبقى للشعر غير
اشتهاء
الكلام؟!
وتأتي قصيدة «حليم... بروفة اخيرة» كي يمزج في نسق شعري كلمات اغاني عبدالحليم حافظ برؤيته الشعرية الخاصة في اسلوب اتسم بالتوهج والحضور، ويبدو في النص الحوار الذي وضع الشاعر متناسقا مع المعنى الذي يريد ان يحيله إلى المتلقي.
ومن ثم تماسكت المفردات بعذوبتها في قصيدة «بعلم الوصول إلى السيد الغياب»:
وحيداً
أمر
أصافح الصقيع
أفتش الوجوه
أقلب الكتب
أنا وصندوق بريدي
في معرض الغياب
ويختم الشاعر ديوانه بقصيدة «نصف حالم... أكثر من مجنون»، تلك التي وضع المنشاوي فيها فلسفته عن الحياة وتوقف من خلالها عند معان ذات عمق دلالي واضح ليقول:
تلك الوديعة التي تمشي
فينا... بمنتهى الأناقة
ترتب للاختباء
أكاذيبنا
تتسكع شوارع البراءة
تتلصص نافذة تمثيلية
صفراء
وديوان المنشاوي الذي تضمن 116 ورقة من القطع المتوسط يعبر بشكل حسي عن تداعيات انسانية، تحمل الكثير من المضامين المستوحاة مع الواقع والخيال معا، في نسق شعري جذاب.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

الف مبروك على كتابك الجديد (روح شاغرة تكفى لفراشة )وفى انتظار الكتاب القادم ومع تمنياتى بالتوفيق اتمنى ان تعرفنا اين نجد هذا الكنز الملىء بأروع المعانىكما كتب عنك الشاعر مدحت علام انه يحمل نسق شعرى جذاب بالتوفيق ودمت مبدع فى سماء الشعراء.


أيمن عمارة