الاثنين، ١٠ مارس ٢٠٠٨

القبس / الصفحة الثقافية / 10/03/2008



الكتابة كليب


حاولت ان اتجاوز ما لمحت به صديقة مهمة كانت قد وضعت يوما في مدخل افكاري «اكسبرشن صيني» (لاحظوا: اكسبرشن) يقول ان الامعان في اظهار التواضع هو قمة الغرور.. تسلحت بارادة سياسية من ذلك النوع الفخم الذي تتفحنا به نشرات الاخبار، وهي نعمة لا يحظى بها عادة من هم في طابور الناس العاديين (يتضح دونما عناء يذكر انه حاشا لله ان نكون منهم) وبعدها «خير اللهم اجعلو خير» وجدت انه لدي ما يكفي من الحقد والشجاعة لكتابة مقال.
. ولا اعرف السر الكبير في اننا - نحن المواطنين العرب - نكون في افضل حالات النشوة و«الازبهلال» في اي وقت تتاح لنا فيه فرصة البث لا سيما ان تحقق هذه مع امكان توزيع احقادنا على الهواء - او في الاعادة – خاصة اذا ما تصدر للامر من هم امثالي من العالمين ببواطن الامور، ربما يعود الامر، واستنادا الى قدراتي الطبيعية المعروفة في شتى انواع الفهم والتحاليل الى مسوغات الاحساس العظيم بالمسؤولية تجاه عموم الشعب، علاوة على انه بلغ السيل الزبى (مصطلح كامل الدسم رأيت ان حشره بلا معنى قد يمنح للمقال معنى) ذلك انني وجدت ان التماس الواضح بين الكتابة الصحفية – التي اقصدها - والفيديو كليب يتمثل في حجم العري المتاح لخدش الذوق العام اذا ما اعتبرنا انها في الاولى عارية عن الملابس، وفي الثانية عارية عن الصحة (صحة الناس لا صحة الخبر) اما المشترك فيذهب مباشرة الى حجم الجمهور فالمعروف (لي على الاقل) انه اذا كان الفيديو كليب يتمتع في حياتنا العربية الآن بما يسمى بالحالة المرضية المتفشية حيث يحظى باعلى نسبة تلقّ (تزيد اعراضها عند الرجال) فانه في المقابل لا يلقى الكثير من الصحف شعبية تتجاوز في اغلب الاحوال عدد قرائها الحقيقيين المتمثلين في السادة الزملاء مدققي اللغة العربية المتسقين في هذا السلوك وفقا لإملاءات واجب المدرسة وضمير الوظيفة، وذلك لمنع نصف الاخطاء من المرور، على اعتبار انه في العادة يتكفل زملاء اخرون هم القراء بالنصف الاخر (واضح ومحدد اقصد هكذا نوع من المدققين لهكذا نوع من الصحف).
الفيديو كليب والكتابة الصحفية كلاهما يعرض نفسه، لكن ليس كلاهما يحصل على زبون.. واذا كانت قد دخلت عن طريق الاولى مئات الاصوات الغلط التي شاء القدر ان تختفي فور ظهورها على الشاشة لمصلحة لغة مفهومة اكثر ومطلوبة في السوق هي لغة الجسد.
ففي الكتابة ايضا تفرد الصفحات على خلفية مساحة هدر عام تنتهي بموت الكاتب من اول سطر، وفي الظروف العادية يتدخل القدر نفسه لمنع مصيبة اكبر هي موت القارئ، وذلك عندما تكتفي هذه الظروف السعيدة بتمهيد هذا الاخير الى احضان الثالوث الشهير (الضغط والسكر والقلب) المشترك لا يزال حاضرا فبين الكتابة والكليب هناك نص احدهما، تكتبه الجميلات على دفاتر الكبت التي يدفع فاتورتها في الغالب الاصدقاء الذكور ممن ينعمون بتجاوز خط الاربعين (اما حسرة على زمانهم الذي لخصه تصريح لعادل امام بان الجمال ده مكنش على ايامنا، واما خشية من ان تظل الفكرة تضغط على ابرياء كل مشكلتهم في الحياة انهم مع قدر مع الاسف يحملون لقب: المتزوجون)، في حين ان النص المرتبط بالكتابة الصحفية يكتبه رجل اعمال على دفتر شيكات من اجل خدمة توصيل المقالات للمنازل.
وعلى اعتبار انه لا حلول ادبية لظواهر لا تتحلى بالادب.. فان علاج قصف الذوق العام للفيديو كليب ليس بمتطلب الى حد كبير سوى حق اللجوء الى عناصر الجمال التي توفرها الطبيعة، وتتمثل في فيروز ونجاة وعبد الحليم، في حين انه تتقدم للدفاع عن تلوث الكتابات الهابطة مجموعة من الابداعات الرائعة التي تتسلح بدهشتها لا بشعرها المصبوغ وبكونها فوق الاناقة الروحية لا فوق الركبة.
ولن يحتاج الامر الى اكثر من نظرة الى عالم المدونات التي لو انتقل نسبة 20 في المائة منها فقط الى الكتابة الصحفية لاصبح طعمها (مع جويل) احلى دونما اشتراط لصياغات شديدة الرفاهية، شديدة الفجاجة من نوعية الكاتب الكبير والصحافية القديرة، وهي كتابات كافية لان تطفئ ما تخلفه فينا كل تلك السذاجات التي تساهم في تلوث البيئة في مجتمع لا ينقصه الاحتباس السياسي والحراري بدءا من نشرات الاخبار، التي لا يظهر المواطن العربي فيها الا وهو مخدوم بشكل كويس من خبر كان.. انتهاء بمن يكتبون بفلوسهم من اجل اضافة نوع جديد من الكليبات الى كل ما ننعم به مما هو متوافر حتى الآن في السوق من فيديو كليب وفتوى كليب ودعوى كليب وموت كليب.
يا صديقي اذا كنا نكتب لاننا أخيب مما نتصور.. فاننا نحقد وبوضوح تام ومن دون اي استهبال لاننا – بالطبع – نتصور.
أحمد المنشاوي
menshewe@hotmail